بدايات الموسيقى التصويرية
بالعودة إلى فترة العشرينات من القرن الماضي، والتي تميزت بالأفلام الصامتة، سنجد أن الموسيقى التصويرية لم تكن موجودة في السينما، وهو ما جعل الأفلام منقوصة وفارغة، ولتجنب ذلك قام البعض بإدخال الموسيقى التي بدت حينها متسللة على الأفلام، على اعتبار أنها ستعطي مزيداً من الحيوية للفيلم، ولذلك لم توضع الموسيقى التصويرية حينها بهدف المساهمة في إيصال الدراما التي يقدمها الفيلم، وإنما وضعت لمجرد التجربة فقط لمعرفة مدى قدرتها على جذب المشاهد إلى الفيلم.في حين نجد أن التوجه في عقد الثلاثينات من القرن نفسه، اختلف تماماً في هذا الشأن، وبدأ هذا التحول مع ظهور المؤلف الموسيقي ماكس ستينر الذي أظهر للجميع كيف يمكن للموسيقى أن تغير من شكل الفيلم، وتمكن من ذلك بعد تأليفه مقطوعات موسيقية تناسبت بشكل ملحوظ مع أحداث الفيلم وتلاعبت إلى حد كبير، بعواطف الجمهور. وقد تمكن ستينر بذلك من أن يحول مجرى الموسيقى التصويرية في الأفلام، بحيث لم تعد مجرد مقطوعات عشوائية، وإنما مدروسة، تربط بين الصورة والجمهور، وبين ذلك جلياً في أفلام “كازابلانكا” و”ذهب مع الريح” التي لا تزال تعيش بيننا، حتى اللحظةومع انطلاق شرارة الحرب العالمية الثانية في الأربعينات من القرن الـ20، بدت الموسيقى عاملاً مؤثراً في السينما، فبعد انتهاء الحرب، قامت مجموعة من الشباب بتغيير التوجه العام للموسيقى التصويرية ونقلها من طابع السيمفونية الثقيلة إلى طابع موسيقي أخف وهو ما انعكس في الخمسينات من القرن ذاته، حيث ازداد اهتمام الجمهور بالموسيقى التصويرية، وأصبح هناك تلذذ فيها، خاصة عندما أطلقت أغنية “نهر القمر” في فيلم “بيركفاست ات تيفانيز” والتي باعت أكثر من مليون نسخة، وهو رقم قياسي في ذلك الوقت. وأدى هذا النجاح إلى دخول الأغنية عوالم الأفلام، وذلك في فترة الستينات من القرن المشار إليه، وأصبحت مؤثرة جداً في أحداثها، خاصة.ان ذلك العقد شهد ظهور نجوم معروفين، مثل: الفيس بريسلي، كليف ريتشارد، فرقة البيتلز. وهؤلاء ساهموا بفاعلية كبيرة، في إدخال فنهم إلى عدد من الأفلام السينمائية. كما شهدت فترة الستينات أيضاً، ولادة ما بات يعرف بـ “موجة جيمس بوند”، والتي ألفها جون باري، وفي العقد ذاته، برزت أيضاً ظاهرة الأفلام الموسيقية التي تضم الكثير من الغناء والرقص، مثل فيلم “ماري بوبنز” و”صوت الموسيقى”. ومع بداية عصر التكنولوجيا في السبعينات من القرن الـ20، استبدلت هذه الظاهرة بالموسيقى الحالمة أو الفنتازية.حيث قاد هذه الظاهرة ستيفن سبيلرغ وجورج لوكاس والذين أخرجا مجموعة أفلام خيالية، مثل: “حرب النجوم” التي احتاجت إلى موسيقى تصويرية قادرة على نقل المشاهد إلى عالم الخيال، والتي وقف خلفها الملحن الموسيقي جون ويليامز، إذ تلقى 37 ترشيحاً للأوسكار، فاز بخمسة منها خلال مشواره الفني.أما فترة الثمانينات والتسعينات فقد بدت مفصلاً مهماً في مسار الموسيقى التصويرية، وبدأ ذلك مع ظهور “التأليف الموسيقي الالكتروني”، وبقيت هذه الظاهرة مسيطرة على الأفلام حتى وقتنا الحالي، وبرزت هذه الموسيقى في أفلام “رجل المطر” و”الأسد الملك” و”المصارع”، والتي ألف موسيقاها التصويرية الملحن هانز زيمر وكذلك برز الملحن جيمس هورنر في أفلام “أساطير الخريف”، و”القلب الشجاع” و”تايتنك” و”عقد جميل”. وبلا شك فإن الموسيقى التصويرية في العديد من الأفلام، أصبحت مؤثرة جداً، ولافتة للنظر، وكذلك قادرة على ان تعيش لفترات طويلة، كما حدث في أفلام “العراب” للملحن نينو روتا، و”الرسالة” لموريس غار، و”ملك الخواتم” لهوارد شور، وغيرها. وبدت فيها الموسيقى ليست مجرد عنصر إضافي كما كان في بدايات السينما، وإنما ذات حضور قوي، وتمتلك جملة أنماط شيقة ومؤثرة على المشاهد