أصل كلمة موسيقى البوب هو “الموسيقى المشهورة بوبيولار ميوزك وهذا المعنى لم يتشكل فعلياً بشكل قابل للقياس حتى خمسينيات القرن الماضي، عندما أصبحت الموسيقى مستهلكة بشكل كبير من جميع فئات المجتمع.في بداية خمسينيات القرن العشرين، كانت موسيقى الروك تعتمد على الغيتارات بشكل رئيسي، ولكن البوب اعتمد على كل أنواع الآلات الموسيقية. بأي حال، هناك بعض نقاط التشابه التي يمكن أن تجدها في الكثير من مقاطع البوب، الإيجاز في المقاطع الصوتية، الترابط والبنى المتشابهة في الجمل، هي أهم تلك النقاط المشتركة بين جميع مقاطع البوب.في ستينيات القرن العشرين بدأت فرقة البيتلز وبعض الفرق الأخرى الخروج من نطاق الروك أند رول نحو نشر فكر البوب في العالم بشكل أكبر، دون النظر إلى الحدود التي كانت تمتلكها مقاطع الروك، معتمددين بعض الأغاني الملهمة والبسيطة والتي تعلق في الذهن، مما جعل هذه المقاطع تكتسب صيتاً كبيراً في تلك الفترة. الموسيقى التي رافقت كلمات هذه الاغاني لم تكن معقدة كثيراً، الغيتارات، صوت البيس، الطبول، وبعض الآلات الموسيقية التي لا تعتمد على الكهرباء، ربما يتم استخدام بعض الآلات النفخية وبعض نقرات لوحات المفاتيح الصوتية لاتمام موسيقى الخلفية.بشكل أو بآخر، كانت موسيقى الروك هي العماد التي بنيت عليه موسيقى البوب وأغلب مقاطع البوب الموجودة حالياً تستلهم كثيراً من الروك. النغم التصاعدي الذي يتميز به الروك، توظيف أصوات الكورس، وبنية الأغاني في البوب تشبه تلك المستخدمة في الروك بشكل كبير. إضافة لمدة المقطع التي لا تتجاوز عادة الدقائق الثلاثة -على الرغم من دفع بعض المقاطع لهذا الحد نحو الدقيقة الرابعة في بعض الحالات- وهذه البنية المشابهة لا تزال قائمة الى الان بشكل أو بآخر.الكلمات البسيطة التي تستخدم في البوب واتساعه ربما يوهمك بأن صناعة مقاطع من هذا النوع سهلة جداً، ربما تكون محقاً إلى حدّ ما، ولكن عند الحديث عن أغاني ومقاطع البوب الجيدة فلا تعتقد للحظة أن الجميع قادرون على القيام بها. الكلمات يجب أن تكون قابلة للتعميم ولا يجب أن تكون مخصوصة جداً، لا يمكن أن تكون كلمات الأغنية سوداوية بشكل كبير، ولا يجب أن تكون كئيبة بشكل زائد ع الحد. الحب، الانفصال، والشوق هي المواضيع الأكثر تكراراً في أغاني البوب الكلاسيكية، ولكن في نفس الوقت الكلمات المستخدمة في هذه الأغاني لم تكن معقدة ويمكن لأي أحد فهمها.الأغاني المستخدمة في البوب من المفترض أن تكون عامة، ويمكن لأي أحد الارتباط بها، فهمها، والتعاطف مع محتواها. أجل ربما كانت بعض الأغاني المشهورة من البوب في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تقدم كلمات أكثير تعقيداً، ولكن حتى في تلك الفترة، لن تجد الكثير من المطربين الذين يستخدمون كلمات معقدة في أغانيهم.بالنسبة للبوب في عصرنا هذا ربما لو فتحت محطة المذياع الآن وبدأت الاستماع للآغاني التي يتم بثها، لن تفهم أيّ من الكلمات التي تستمع لها، بسبب كل ذلك التعديل الصوتي، التشويه، وتحديد الطبقات الصوتية التي تخضع لها تلك الأغاني. ربما يقول أحدهم حتى أن “الكلمات” كلها غير مهمة في نمط البوب، وربما تكون هذه الأقوال صحيحة.في الستينيات والسبعينيات كانت الموسيقى المستخدمة في البوب تعتمد على آلات موسيقية حقيقية، بينما في الثمانينيات تحول الأمر لتصبح آلات الطبول والأصوات المحولة مسيطرة على الساحة، وأصبحت موسيقى الديسكو تزحف ببطء لتندمج مع البوب أيضاً، بينما في التسعينيات أصبح البوب أكثر اعتماداً على الآلات الالكترونية، مستلهماً من موسيقى الريف والتكنو، وفي نفس الوقت جعل هذه الانماط الموسيقية أكثر تقبلاً من الشعب. في المملكة المتحدة، البوب البريطاني كان الغيتار يسيطر على الساحة، بينما الهيب هوب وال R’n’B كانتا تسيطران على الساحة في الولايات المتحدة الأمريكية.كل ما سبق يؤكد على حقيقة واحدة، البوب ثقافة متسعة جداً، وهو مزيج ناتج عن الكثير من الأنماط الموسيقية القديمة والحديثة. هناك الكثير من البوب السيء، والأكثر تفاهة مثلاً، كالبوب المستخدم في برامج الأطفال والمتاجر.في الوقت الحالي، ستجد أكثر المقاطع شهرة وشعبية بين مقاطع البوب أكثر تعقيداً من البوب المصنوع في القرون الماضية، الموسيقى التي يتم انتاجها عن طريق مجموعة أقل عدداً من “المنتجين الخارقين” تسيطر الان. بينما الزحف التقني الذي جعل البوب العصريّ “كذاك الموجود في أغاني الليدي غاغا وكاتي بيري وغيرهن” ينتج في زمن قياسيّ، وتدوم شعبيته لأضعاف أضعاف ذاك الزمن. لا داعي الآن لكون الموسيقى منتجة من فرقة موسيقية، كل شيء يمكن إنجازه بسرعة ونظافة، ولا حاجة لجعل الموسيقى مرتبطة بالبوب العتيق. كل ما يتبقى عليك إيجاده هو أغنية جيدة، وحتى هذه لا تكون متوافرة في أغلب البوب الحالي، كون المقطع يتكون من 90% انتاج موسيقي و10% كلمات وأغاني. ولكن هذا لا يعني أن هذه المقاطع ستكون مخلدة في التاريخ
في النهاية، البوب هو نمط موسيقي هجين من كل تلك الأنماط الموسيقية التي ظهرت في العشرين عاماً السابقة، يحوي الكثير من العناصر الإلكترونية المستقاة من مسويقا الهاوس والتيكنو، إضافة لبعض العناصر الصوتية المستلهمة من الهيب هوب والـ R’n’B. بعض مقاطع البوب لا تستخدم أي آلات موسيقية حقيقة، ويتم انتاج الأغاني فيها بالكامل اعتماداً على أجهزة الانتاج الموسيقي، والسبب في هذا أن الصوت من المفترض به أن يكون أكثر صخباً وثقلاً عند استقباله على الراديو.لا يمكن لأحد توقع المستقبل الذي يتوجه نحوه البوب كنمط موسيقي، ولكن بالنظر بشكل سريع نحو تاريخه، يمكن القول أنه سيستمر في التواجد بشكل قوي على الساحة للسنوات القليلة المقبلة.